إسرائيل.. الاستثمار المُربح للغرب!

 إسرائيل.. الاستثمار المُربح للغرب!
الصحيفة - افتتاحية
الخميس 2 نونبر 2023 - 16:13

سنة 1986 وقف جو بايدن الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي، عن الحزب الديمقراطي، ليلقي عرضا مطولا أمام قاعة مليئة بالسياسيين وصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، حول دور إسرائيل في حماية مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.

استفاض بايدن في الحديث عن دور الدولة العبرية في حماية المصالح الأمريكية على مدى عقود، حيث أكد بالقول في جملته الشهيرة: "إسرائيل هي أفضل استثمار قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط". مضيفا "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحها في المنطقة".

وبعد 37 سنة من تصريحه "التاريخي" هذا، وتحديدا يوم 18 من شهر أكتوبر الماضي (2023)، أعاد جو بايدن، وهذه المرة كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وليس كعضو في مجلس الشيوخ، نفس المقولة عند زيارته التضامنية إلى تل أبيب، حينما أكد أن "إسرائيل يجب أن تعود مكانا آمنا لليهود، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها".

يدرك صناع السياسة الخارجية في واشنطن، من لوبي شركات صناعات الأسلحة، وصناعة النفط، وجماعات الضغط.. أن الأزمات غير المحلولة في بقاع العالم هي منبع "ثروة" ومصدر رفاهية للدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا، لن يختلف إثنان في البيت الأبيض أو "الكابيتول" حينما يؤكد الرئيس جو بايدن أن أفضل استثمار لبلاده كان هو إقامة دولة إسرائيل على الأرض التاريخية للفلسطينيين.

إنشاء الكيان الإسرائيلي كان الهدف منه عند الأوروبيين، هو التخلص من اليهود "المزعجين" داخل بلدان القارة العجوز التي خرجت منهكة من الحرب العالمية الثانية، من خلال صنع الكثير من الأساطير حول "المحرقة" التي مازال الجدل التاريخي يعم الكثير من جوانبها، في حين كان بالنسبة لبريطانيا بمثابة المكافأة لرجال الأعمال الأثرياء من اليهود على دعمهم المالي السخي خلال الحرب العالمية الأولى للتاج البريطاني من أجل تفكيك السلطنة العثمانية وطردها من دول الشرق الأوسط من بينها شرق الأردن وبعدها العراق ثم فلسطين، التي تم احتلالها وفق "معاهدة سيڨر".

ونظير دعم الحركة الصهيونية للمجهود الحربي البريطاني في الحرب العالمية الأولى، كوفئ "الاتحاد الصهيوني" لبريطانيا وإيرلندا بما سمي تاريخيا بـ"وعد بلفور" الذي صاغه سنة 1917 وزير الخارجية البريطاني، حينها، آرثر جيمس بلفور واللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد أبرز وجوه المجتمع اليهودي في بريطانيا، من أجل خلق "وطن قومي لليهود" على أرض فلسطين، الذي سُمي بعد التأسيس والاعتراف الأممي سنة 1948 بإسرائيل.

وهكذا، غرست بريطانيا دولة إسرائيل كأعظم الجروح الإنسانية في المنطقة، قبل تحويل هذا الكيان من طرف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى "كيان خدمات" أو أصل تجاري، وجب دعم بقائه، مهما ارتفعت الكلفة، لأن ذلك، يحقق الحفاظ على المصالح الاقتصادية والسياسية والجيو استراتيجية للدول الغربية في منطقة الشرق الأوسط.

ولجعل دول المنطقة العربية مثل صحن يأكل منه الغرب بشراهة، وبدون توقف، كان لزاما جعل إسرائيل "كيان خدمات" مقابل تأدية رسوم، في اتفاق ضمني بين عواصم الغرب والحركة الصهيونية. فالصفقة هي خلق "وطن قومي لليهود" مقابل أن تكون إسرائيل مصدر "صناعة الخوف" في دول المنطقة لتحريك ماكينة المصالح العنيدة للدول الغربية.

وبهذا الخوف، حافظت الدول الغربية على مصالحها السياسية والاقتصادية لمدة 75 سنة، أي منذ تأسيس إسرائيل سنة 1948 إلى اليوم. وبوجود هذا الخوف من "بعبع إسرائيل التي لا تقهر"، كان على دول المنطقة صرف ملايير الدولارات على تسليح جيوشها من أجل خلق "توازن القوى مغشوش" في الشرق الأوسط، وهو ما تُبينه بشكل واضح بيانات البنك الدولي، التي تشير إلى أنه وخلال عشرين عاما ما بين (2018-1999) صرفت الدول العربية نحو 2028 مليار دولار، أي ما يعادل 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية خلال الفترة نفسها.

وخلال سنة 2022 لوحدها، ارتفع الإنفاق العسكري في دول الشرق الأوسط إلى 187 مليار دولار، مقارنة بنحو 173 مليار دولار عام 2021. وبلغة أرقام أوسع نجد أن ما صرفته الدول العربية في الشرق الأوسط، في سنة واحدة، هو أكثر بـ 52 مليار دولار عن خطة مارشال" التي تبلغ بحسابات اليوم 135 مليار دولار، والتي خصصت للنهوض بأغلب دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت سببا في نهضتها إلى اليوم!

ولتنشيط دورة الاقتصاد، تدرك الدول الغربية أن العالم يحتاج للكثير من الأزمات "الاحتياطية" غير محلولة التي يمكن إنعاشها بين الفينة والأخرى لتغذية اقتصاداتها، وجعل "مصالحها طازجة". ووجود إسرائيل في المنطقة هو أهم "استثمار في أزمة" يمكنه تحقيق ذلك، كما قال الرئيس الأمريكي جو بادين. وبالرجوع إلى بعض الأرقام يمكننا أن ندرك قيمة وجود "كيان بعبع" مثل إسرائيل في الشرق الأوسط. فالرئيس التنفيذي لشركة "لوكهيد مارتن" التي تعد ذراع البنتاغون ومن أهم لوبيات صناعة الحروب في العالم، أعلن أنّ عقود الأسلحة المتراكمة لشركته نمت إلى 150 مليار دولار من 135 مليار دولار في عام 2021، وهي قفزة "كانت مدفوعة بطلبات قياسية على الإطلاق" أغلبها من دول الشرق الأوسط. هذا في الوقت التي ارتفعت صادرات فرنسا من الأسلحة إلى 22 مليار دولار سنة 2022، وأغلبها أسلحة صُدرت إلى دول الشرق الأوسط منها صفقة مع الإمارات بقيمة 17 مليار دولار لبيعها 80 طائرة فرنسية مقاتلة من طراز رافال و12 مروحية من طراز "كاراكال".

هذا في الوقت الذي تستورد فيه السعودية حوالي 54% من إجمالي قيمة الصادرات العسكرية الكندية لسنة 2022، في حين صرفت الكويت 6.7 في المئة من ناتجها القومي السنوي على التسليح، وأغلب وارداتها من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. أما قطر فصرفت ما نسبته 6.4 في المائة من ناتجها القومي على التسليح، ثم مصر بنسبة 4.5 في المائة من ناتجها القومي.

ومع كل المليارات التي تنعش اقتصادات الدول الغربية، وتعطل التنمية في الدول العربية، وتعيد بعض دول الشرق الأوسط إلى الحياة البدائية كلما حاولت النهوض مثل ما حدث في العراق وسوريا واليمن ولبنان واستنزاف مصر.. يتضح أن الغرب يستحيل أن يغامر بحل عادل للقضية الفلسطينية على المدى المتوسط على الأقل، ولا يهم قادة هذه الدول أن تنظر إليهم شعوب العالم على أنهم "حكام منحليون أخلاقيا"، وغير مهتمين  بتحقيق العدالة، لأن الأمر ببساطة هو لعبة مصالح، وليس قضية عدالة.

 لهذا، حينما يؤكد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه إن لم "تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحها في المنطقة"، حينها، علينا أن ننصت إليه جيدا. وأن نتمعن في كلامه مطولا.. وأن ندرك بعدها كيف يُدار العالم!

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...